الجمعة، 8 يناير 2010

اعتذار الغرب لمحمد - صلى الله عليه وسلم -


اعتذار الغرب لمحمد - صلى الله عليه وسلم -
أنور محمود زناتي – كلية التربية – جامعة عين شمس
أثارت الظاهرة الاستشراقية ، ومازالت تثير جدلاً واسعاً في مجال الدراسات الفكرية والحضارية ، فقد عملت هذه الدراسات علي تشكيل العقل الغربي والشرقي معا.ً والاستشراق هو ذلك التيار الفكري الذي تمثل في الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي والتي شملت حضاراته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته. وكان لحركة الاستشراق قوة دفع ورواج أثارت وأثرت في الفكر الإنساني .

ومن الصعب حقاً أن نجد مستشرقاً منصفاً ونزيهاً تمام النزاهة في كتاباته عن الإسلام وكتابه السماوي ، وعن مبادئه ورسولهr ورجاله، وعن التاريخ الإسلامي وحوادثه الماضية بكل ما فيها من حلاوة أو مرارة ، ولكن عندما نقول أنه من الصعب أن نجد مستشرقاً منصفاً ، فلا يعني هذا أن الأمر يستحيل بحيث لا يمكن إدراكه.

فلم يثر جدل حول أي شخصية فكرية أو دينية - عبر التاريخ - قدر ما ثار حول شخصية الرسول محمد r. فقد تناول هذه الشخصية العظيمة عدد لا يحصى من الكتاب والباحثين والمفكرين والفلاسفة ،- مسلمين وغير مسلمين- . واختلفت دوافع الكتابة عنها كما اختلفت تبعا لذلك زوايا النظر ، فكان منهم المنصف وكان منهم المغرض . وبغض النظر عن طبيعة تلك الكتابات ودوافعها ومراميها فإنها علي كثرتها تعد دليلاً حاسماً على عظمة شخصية الرسول العربيr وامتلائها التاريخي ، مما أهلها لتشغل تلك المساحات الواسعة من التفكير النوعي وما تمخض عنه من دراسات لاحصر لها في تحليلها ودراسة منحنياتها الفكرية والدينية والإنسانية. ولا يمكن للمرء أن يتجاهل أن العلاقة بين الشرق والغرب مثقلة بتصورات مشوهة ، وأحكام متأصلة غير موضوعية .

وقد حاول الغرب أٍن يرسم صوراً غير سوية لشخصية الرسول r خلال اصطدامه بالحضارة الإسلامية بل وصل الأمر إلي أن بعضاً من المستشرقين شكك في وجود النبى حقيقة ، ومنهم من شكك في اسمه وأميته ،بل ومنهم من قال أنه المسيح الدجال !! Imposteur .

ولعل بولانفيلييه(1658 – 1722) ([1]) كان أول من تجرأ علي وصف محمدr بأوصاف إيجابية اذ قال انه اداة الله التي قضي بها علي العبادة الباطلة واحل محلها العبادة الحقه([2]) ويأخذ عليه المتعصبون أنه يتحدث عن الرسول محمد [r] باعتباره رسولا للعناية الالهية ، ونجد ايضا العالم الهولندي هادريان ريلاند من أوانل الأحرار الذين عملوا علي رد الاعتبار للرسول الكريم في كتابه الديانة المحمديه وكذلك المستشرق الفرنسي ارنست جانيه E. Gagnier صاحب كتاب حياة محمد وقد نقل فيه الي اللاتينية سيرة النبي عن المؤرخ أبو الفدا ولا شك ان اعتماده علي مصادر جديده غير المصادر المتحاملة علي الاسلام والنبي محمد [r] دليل علي ترفعه عن التعصب الاعمي([3]).


وقد قام الكاتب البريطاني "جان دوانبورت" بتأليف كتاباً بعنوان " اعتذار لمحمد والقرآن" اعتذر فيه عن التصورات والأحكام التي كانت شائعة في الغرب حول نبي الإسلام ، والقرآن الكريم .

ووقف المفكر ر.ف . بودلي موقفاً مفنداً هذه الترهات والأراجيف دافعاً هذه الادعاءات المغرضة بالنظرة العلمية الدقيقة والواعية يقول في كتابه : «الرسول ، حياة محمد»
ومن العجيب والمثير للتأمل في آن ، أنه رغم وجود أقلام حاقدة وبعيدة عن روح الإنصاف إلا أننا نجد في ثنايا أعمالهم شهادات تكاد تجب ما قالوه فوجدنا مثلاً جولدتسيهر -المستشرق المجري اليهودي المعروف بعدائه الشديد للإسلام –والذي يجهر بذلك دون مواربة- ، وجدناه يقول " كان محمد [r] يريد إقامة دين الله الواحد كما جاء به إبراهيم كما أنه بوجه عام كان مصدقاً لما سبق أن أوحاه الله لمن تقدمه من الرسل والأنبياء "


وقد حاول العديد من المفكرين الأحرار جاهدين إلقاء الضوء علي الاستشراق وإعطاء نظرة جديدة قد تضيف إلي هذا المجال الخصب قطرة من بحر وحاولوا أيضاً تتبع الظاهرة الاستشراقية وتطورها عبر العصور محللين دوافعها ومحركاتها ونقاط ضعفها وقوتها كما حاولوا أن يستشفوا منها دروسها الأكثر تأثيراً فينا نحن أهل الشرق ،

والحق يقال أنه رغم تعدد أغراض وأهداف الاستشراق الاستعمارية ، منها والديني والتبشيري إلا أنها لم تكن خاليه أبداً من الفائدة العلمية ، فالمستشرقون قاموا بجمع المخطوطات العربية والإسلامية وفهرستها وحققوا العديد منها بأعلى المقاييس العلمية المتعارف عليها حينئذ ونشروها نشراً علمياً خالصاً وترجموا الآلاف من هذا التراث إلي اللغات العالمية ، فضلاً عن التوجيه إلى الأخذ بالمناهج الحديثة في البحث والدراسة وعرّفوا الآخرين بحضارتنا وتراثنا ومآثرنا و قدموا للفكر الإسلامي أشياء كثيرة نافعة لا يمكن تجاهلها ·

والاستشراق في حقيقته الأولى كان ذا اتجاه ديني من أجل محاربة العقيدة الإسلامية، إلا أن عظمة هذا الدين وحضارته الراقية العريقة جعلت من بعض مفكري أوروبا وعلمائها يدعون للنهل من هذه الحضارة، فنتج عن ذلك ظهور أقلام منصفة للإسلام وحضارته ولرسوله الكريم .

ووجدنا من ينظر إلى الاستشراق نظرة الإعجاب التي تصل إلي حد الانبهار، وهناك من يلقي النظرة الرافضة لكل ما يأتي عن الاستشراق مهما اصطبغ بالصبغة العلمية .

ونحن لا نرفض دراسات المستشرقين في مجال الفكر الإسلامي بل نتحاور معها شريطة أن تتحلي بروح الموضوعية المنصفة ،ثم نتعامل معها على أساس الدراسة والنقد والتمحيص ، ونحن نرحب بكل فكر ما دام ليس فيه عدوان على الإسلام، وهو مبدأ من أوليات مبادئه، يقول تعالي:
) وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ( سورة النحل:125.
فالاسلام وسيلته في الحوار: "الحجة البالغة، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن، والحوار المفتوح دون مسلمات مسبقة، واستبعاد كل أساليب الإكراه" ) لا إكراه في الدين قد تبينَ الرُّشد من الغي( سورة البقرة: 256.
وبالتالي يمكن أن نعلن أنه قد انتهي العصر الذي كان يقول فيه المستشرقون حرف فيرد عليهم أهل الشرق آمين !! .

وعلي الرغم من انقضاء عهد الاستشراق الذهبي إلا أن نقده ما زال مستمراً وإذا أردنا أن نؤسس لعلاقة جديدة بين الشرق والغرب أو بتعبير أدق بين الإسلام والغرب، علينا أن نطلع على جذور المد المعرفي لكلتا الحضارتين.
وهناك عدة أمور لابد أن نقر بها:-
أولاً : أن الدراسات الاستشراقية مهما كانت موضوعية في مضمونها ومحتواها إلا أنها لم تسلم من تعصب وهوى والعمل علي خدمة نزعات دينية و استعمارية -إلا من رحم ربي-.
ثانياً : لا تخلو هذه الدراسات من هنات وأخطاء لغوية وأحيانا علمية وتاريخية مقصودة أو غير مقصودة .
ثالثاً : هؤلاء القوم مهما بلغت معرفتهم بلغتنا فأنه يغيب عنهم روح الشرق وعبقرية ألفاظه وتعبيراته التي تؤدي إلي معان شتي ولذا قد نجد بعض من نتائجهم العلمية خاطئة ناهيك عن تعمد البعض منهم ذلك .
رابعاً : لا نتوقع منهم جميعاً أن يتحدثوا عن الحضارة الإسلامية و الرسول الكريم كما نتحدث نحن المسلمين بل يكفيهم هدمهم للخرافات المزرية التي أُشيعت عن النبي الكريم في العالم الغربي.من قِبل بعض متعصبي الغرب الذين يدّعون كذباً أنهم من طالبي الحقيقة العلمية دون سواها ، ولسنا نعني أيضا وجوب الثناء التام علي المستشرقين من غير تحفظ أو اعتدال وإنما نتوخى الحذر كل الحذر فنحن لا نقبل أو نرفض ما يقولون جملة وتفصيلاً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أنور محمود زناتي
كلية التربية - جامعة عين شمس
Anwar_zanaty@mail.com

للمزيد راجع :
([1]) هنري دي بولانفلييه: مؤرخ فرنسي، لم يكن يعرف العربية لكنه كتب كتاباً بعنوان "حياة محمد" عام 1730 ويتناول حياة النبي حتى الهجرة مبدياً إعجاباً شديداً بالنبي والإسلام.
(2) محمود حمدي زقزوق : الاسلام في تصورات الغرب ، مكتبة وهبه 1987 .
(3) عبدالرحمن صدقي:الشرق والاسلام في أدب جوته،دار القلم،القاهرة(المكتبة الثقافية10)

([1] ) هنري دي بولانفلييه: مؤرخ فرنسي، لم يكن يعرف العربية لكنه كتب كتاباً بعنوان "حياة محمد" عام 1730 ويتناول حياة النبي حتى الهجرة مبدياً إعجاباً شديداً بالنبي والإسلام.
([2] ) محمود حمدي زقزوق : الاسلام في تصورات الغرب ، مكتبة وهبه 1987 ، ص80.
([3] ) عبدالرحمن صدقي:الشرق والاسلام في أدب جوته،دار القلم،القاهرة(المكتبة الثقافية10) ص21

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق